دمشق, الاثنين 8 ديسمبر، 2025
في الذكرى الأولى لسقوط حكم بشار الأسد، كانت سنة «التغيير» بالنسبة إلى مسيحيي سوريا سنة اختبار ثقيل، اتّسمت بالتناقض بين آمال كبيرة ووقائع قاسية، من دون الوقوع في مشهد اضطهاد منظّم أو أمان مستقر.
في الأشهر الأولى بعد السقوط، ساد الخوف أوساط المسيحيين، خصوصًا بسبب الخلفيات الأيديولوجية لبعض القوى المسلحة التي ظهرت على الساحة. إلا أنّ الوقائع الميدانية تُظهر أنّه لم يُسجَّل استهداف منهجي للمسيحيين على أساس ديني، وأنّ حرية العبادة بقيت مضمونة، مع استمرار فتح الكنائس وإقامة الشعائر الدينية والنشاطات الرعوية علنًا.
كما برزت مؤشرات إيجابية، أبرزها إلغاء التجنيد الإجباري الذي شكّل لسنوات أحد أهم دوافع هجرة الشباب المسيحيين، إضافة إلى إعادة معظم ممتلكات المسيحيين المسلوبة في مناطق مثل إدلب وقراها المسيحية، ووجود قنوات تواصل مباشرة بين الكنائس والسلطات الجديدة.
كذلك، سُجِّلت مشاركة مسيحية رمزية في السلطة التنفيذية عبر تعيين وزيرة مسيحية في أول حكومة بعد التغيير، تلاها انتخاب نائبة مسيحية برلمانيًّا؛ إلى جانب لقاءات متكررة بين مسؤولي الدولة ومرجعيات كنسية، تناولت قضايا المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، واستعادة الأملاك الكنسية بخاصّةٍ المدارس التي استولى عليها حكم البعث وهو ما تحقق جزئيًّا. هذه المؤشرات عكست انطباعًا بالاعتراف بالمسيحيين مكوّنًا أصيلًا من المجتمع السوري.
في المقابل، تكشف السنة التي مرت واقعًا أمنيًّا هشًّا أثّر بعمق في شعور المسيحيين بالطمأنينة. فقد وقعت حوادث قتل وخطف وسرقات طالت مسيحيين في مناطق عدّة، وغالبًا في سياق الانفلات الأمني العام لا بدافع ديني مباشر، لكن مع استثناءَين: الأول هو أحداث السويداء التي لم توفر الاعتداء على ما لا يقل عن 6 كنائس مع قتل مسيحيين أو التهجم على بعضهم بعبارات طائفية مسيئة، أو سرقة ممتلكاتهم أو تخريبها؛ الثاني هو تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة-دمشق الذي ترك ندوبًا نفسية في معظم مسيحيي البلاد. كما تكرّرت اعتداءات على رموز دينية ومقابر، وتخريب تماثيل ونشر ملصقات تحريضية، إلى جانب ممارسات دعوية متشددة في أحياء مختلطة دينيًّا، ما عزّز الشعور بالتهميش والقلق الوجودي.
اقتصاديًّا، ورغم أنّ العقوبات الغربية على سوريا جُمِّدت في معظمها وهي في طريقها إلى الإلغاء الكامل، لم يلمس المسيحيون -حالهم كحال جميع المكونات- تحسّنًا يُذكر؛ فالفقر ما زال سائدًا وهو ما أبقى الهجرة الخيار الأكثر واقعية لكثيرين. وقد عبّر قادة كنسيون بوضوح عن خشيتهم من استمرار النزف الديمغرافي، مؤكدين أنّ التحدي الأساسي لم يعد عودة من هاجر، بل بقاء من تبقّى.
بعد مرور عام كامل على التغيير السياسي في سوريا، لم ينتقل المسيحيون بعد من الخوف إلى الأمان، ولا من الشقاء إلى الازدهار. هم اليوم في منطقة رمادية: خارج الاستهداف المنهجي، لكن داخل دائرة هشاشة أمنية واقتصادية عميقة.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته