بيروت, السبت 27 سبتمبر، 2025
مع اقتراب العودة إلى المدرسة، ينهمك التلاميذ بالتحضير للقاء أصدقائهم ومعلّميهم الجدد، فيما ينشغل الأهل بالبحث عن الحقيبة المثاليّة والمقلمة الأجمل، ويُكرّس المعلّمون وقتهم لوضع المناهج والتخطيط لأنشطة اليوم الأوّل.
بين كلّ هذه التحضيرات الضروريّة، يغيب في أحيان كثيرة بُعدٌ لا يقلّ أهمّية: الاستعداد الروحيّ. لذا، أجرت «آسي مينا» حوارًا مع معلّمة لتُطلِعنا على سُبل الإعداد لعودة مدرسيّة متجذّرة في الإيمان.
خيط الصلاة لا ينقطع
نويل الحاج معلّمة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تُدرّس حاليًّا في مدرسة الرُّسُل في مدينة جونيه اللبنانيّة. وقد عاشت خبرة العودة إلى المدرسة في مراحل ثلاث، طفلةً وأمًّا ومعلّمة. بالنسبة إلى نويل الطفلة، كان اليوم الأوّل من العام الدراسيّ أهمّ أيّام السنة، يُرافقه توتّر كبير وتحدٍّ ومتطلّبات معرفيّة جديدة والتعرّف إلى أساتذة وزملاء جدد. وبالنسبة إلى نويل الأمّ، مثّلَ هذا اليوم لحظة شبيهة بطائر يترك فراخَه تُحلِّق بعيدًا من العشّ. أمّا نويل المعلّمة، فترى في هذا اليوم بداية رسالة جديدة، إذ تستعدّ فيه للقاء تلاميذها للمرّة الأولى.
ورغم اختلاف الأدوار، ظلّت العودة إلى المدرسة بالنسبة إليها محطّة صعبة ومليئة بالتحدّيات، لكنّها وجدت في الصلاة الوسيلة الفضلى للاستعداد لها. فحين كانت طفلة، اعتادت أن تُصلّي مع والدَيها عشيّة اليوم الدراسيّ لتشعر بالقوّة في مواجهة الغد. وفي مرحلة الأمومة، أطلقت تقليدًا مع أولادها في السيّارة، إذ كانوا يتوقّفون عند تمثال «يسوع الملك» في طريقهم نحو المدرسة ثمّ يرفعون صلاتهم معًا. والآن بصفتها معلّمة في مدرسة كاثوليكيّة، هي ممتنّة لكونها تبدأ يومها الدراسيّ مع تلاميذها بصلاة صباحيّة توحّدهم وتمنحهم انطلاقة جديدة.
يسوع… المعلّم الأعظم
توضح نويل أنّها معلّمةٌ للّغة العربيّة وليست معلّمة للتعليم المسيحيّ، وبالتالي لا تتمثّل مهمّتها بشرح الكتاب المقدّس أو العقيدة الكاثوليكيّة لتلاميذها، بل بتجسيد قيَم الإيمان الكاثوليكيّ في حياتها وعملها. وتقول: «التمسُّك بالقيَم المسيحيّة هو الوسيلة الفضلى لأكون معلّمة صالحة. نحن المعلّمين لدينا القدوة المثلى لنقتدي بها: يسوع، المعلّم الأعظم». وتضيف أنّها تسأل نفسها دائمًا في إطار عملها التربويّ: «كيف كان يسوع ليتصرّف في هذا الموقف؟»، ذلك أنّ تعليم المراهقين ليس أمرًا سهلًا، إذ يحمل في طيّاته مواقف صعبة تتطلّب كثيرًا من الحكمة. وتُشدّد نويل على أنّ الطلاب يتعلّمون من الأفعال أكثر من الكلمات.
إلى جانب الصلاة وتجسيد القيَم المسيحيّة في عملها، تلجأ نويل إلى ممارسات بسيطة تُشجّع الآخرين على أن يَحذوا حذوها: «حين كان أولادي في المدرسة، كنّا نختار كلّ عام قدّيسًا أهديهم أيقونة صغيرة له كي يحتفظوا بها في مقلمتهم، فيكون رفيقهم طوال السنة. كانوا يجدون فيها طمأنينة، خصوصًا في أوقات الامتحانات. أشجّع الأمّهات على اتّباع ذلك مع أولادهنّ».
مدرسة المعلّمين الصالحين
تنصح نويل المعلّمين بالاطّلاع على فكر كبار المربّين الكاثوليك، أمثال القدّيس يوحنّا بوسكو والقدّيس جان باتيست دي لا سال. وتشرح أنّها تواكب باستمرار أحدث الأبحاث في مجال التربية لتبقى مطّلعة على المناهج التربويّة المعاصرة، غير أنّ كتابات المفكّرين الكاثوليك هي التي تُقدّم أعمق الحِكَم وأغناها. وتستشهد بقول دي لا سال: «الشباب يحتاجون إلى معلّمين صالحين، مثل ملائكة تراهم العيون».
كذلك، تُشجّع نويل على قراءة تعاليم البابا، مشيرةً إلى قول للبابا فرنسيس يُوجِّه أسلوبها في التعليم منذ أن سمعته عام 2014: «المعلّم الصالح لا يضيع في التفاصيل، بل يشير إلى ما هو جوهريّ، لكي يجد الطفل أو التلميذ المعنى والفرح في الحياة». وتقول: «نحن الكاثوليك محظوظون لأنّ خليفة بطرس يقودنا ويُرشِدنا، لذا علينا أن نصغي أكثر إلى ما يعلّمه».
وتحذّر نويل أيضًا من خطأ يقع فيه معلّمون كثُر: «أحيانًا نميل إلى محبّة التلاميذ المتفوّقين أكثر، أولئك الذين يقومون بواجباتهم. لكنّي أتذكّر دومًا ما قاله البابا فرنسيس: واجب المعلّم الصالح أن يحبّ تلاميذه الأكثر ضعفًا وحرمانًا، بمحبّة أعظم». في العام 2015، قال البابا فرنسيس: «يسوع كان سيقول: إن أحببتم الذين يدرسون والمهذّبين فحسب، فأيّ فضلٍ لكم؟ فهناك من يجعلوننا نفقد صبرنا، لكن يجب أن نحبّهم أكثر! أطلب منكم أن تحبّوا أكثر التلاميذ الذين لا يريدون أن يدرسوا، أو الذين يعيشون أوضاعًا صعبة، أو ذوي الإعاقة، أو الغرباء الذين يشكّلون تحدّيًا كبيرًا للمدارس اليوم».
وتختم نويل باقتباس من أقوال البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني: «التربية الكاثوليكيّة هي قبل كلّ شيء مساعدة الآخرين على أن يتكوَّن المسيح في حياتهم».
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته