أبونا يعقوب الكبّوشي… رسول الصليب المقدّس

الطوباوي الأب يعقوب الكبّوشي-صورة الطوباوي الأب يعقوب الكبّوشي | Provided by: Guitta Maroun/ACI MENA

قال الربّ يسوع: «ما من أحد يضع يده على المحراث ويلتفت إلى الوراء يصلح لملكوت السماوات» (لوقا 9/6).

ننطلق من هذه الآية في الكتاب المقدس لنؤكّد أهميّتها في حياة كلّ إنسان سمع صوت الله بقلبه وروحه، وعرف سرّ تسلّق درج الحياة الأبديّة، وهذا ما فعله أبونا يعقوب الكبّوشي حين سمع نداء الربّ، فهو كان محبًّا لعائلته، وطالبًا ذكيًّا متفوّقًا، ملتهبًا في تعبّده لوالدة الإله، مريم العذراء. وكان معلّمًا ناجحًا في مزاولته رسالة التّعليم في الإسكندرية، وساهم في صقل تلاميذه بالفضائل الروحيّة وإنارة عقولهم بالمعرفة. كما كان شابًّا تقيًّا عاكفًا على العبادة والتأمّل في حياة المسيح. وفي تلك المرحلة، شعر برغبة قويّة تدفعه إلى ترك العالم وحمل الصليب، ملبّيًا بذلك نداء المسيح، وهو يردّد: «سأصير كاهنًا».

راح أبونا يعقوب يصلّي من كلّ قلبه وروحه كي يقنع أباه بصدق دعوته الرّهبانيّة، ويسمح له بالدخول إلى الرّهبنة الكبّوشيّة، فاستجيبت صلاته، ويوم دخوله الدّير، أعلن قائلًا: «دخلت طيِّب، وما بضهر إلّا ميِّت». أظهر ملامح الدّعوة الصّادقة للترهّب، ملتزمًا الفقر والعفّة والطاعة، وممتلئًا بحبّ الخدمة والصلاة.

وفي مرحلة الابتداء، راح أبونا يعقوب يتعلّم كيفيّة السّلوك في طريق الرّهبنة وما تتطلّبه الحياة الرّهبانيّة من فضائل بهدف بلوغ الأكمل. عاش بكلّ قناعة ومثاليّة، فكان قدوة صالحة للكثيرين في جميع تصرّفاته، وكان يصغي إلى إرادة المسؤولين عنه، بكلّ طاعة ومحبّة واحترام. وكان كلما أحسّ بالضيق، يلجأ إلى الصليب المقدّس معترفًا بأنّنا في الصليب نرى عظمة محبّة المسيح، وفي الصليب نرى قدرة يسوع، وفي الصليب نرى سلام يسوع.

وفي الغوص أكثر في آثار المسيح المحفورة في وجدان أبونا يعقوب، رسول الصليب، يشدّنا قوله: «إنّ أكبر جرح في حياة الإنسان هو الابتعاد عن القربان المقدّس».  من هنا، كان على الدّوام يدعو الناس إلى اللجوء للحبّ الحقيقيّ، من خلال تناول القربان المقدّس والصّلاة والتمسّك بالمسبحة الورديّة.

اهتمّ أبونا يعقوب على الدوام بالإنسان المهمّش والمعذّب والمختلّ والمريض والمنبوذ. وكم كانت غبطته عظيمة، حين كان يحصل أحدهم على الشفاء ويعود إلى حياته الطبيعيّة. ولكن في المقابل، كان يغمره الحزن الأليم، عندما كان يرى كاهنًا مهمّشًا ومتروكًا، من دون عناية. فهو القائل: «الكاهن هو سفير الله، هو رسول الله والبشر، الله يرسله إلى البشر ليعلن لهم إرادته». من هنا، أوصى بناته الراهبات دومًا: «إيّاكن رفض كاهن يقرع باب ديرنا، إذا لم تتيسّر له غرفة، أعطينه غرفتي…»

ومن أبرز إنجازات أبونا يعقوب: إنشاء أكثر من مئتين وإحدى وستّين مدرسة في بداية القرن العشرين، تأسيس جمعيّة راهبات الصليب ورهبنة مار فرنسيس الأسيزي الثالثة للعلمانيّين، وبناء الأديار والمستشفيات ومراكز لاحتضان المشرّدين، الفقراء والمتروكين.

وفي النهاية، أنهك أبونا يعقوب جسده في صنع أعمال المحبّة والرّحمة. كانت غايته الأسمى والوحيدة في الوجود هي إرضاء «صليب الربّ، حبيب القلب». لذا، فلنتعلّم معه أن نحيا فرح الخدمة والعطاء، ونجعل أيضًا درب جلجلتنا على غراره، خطوات صوب السّماء، ونشهد معه أنّ من أعلى الصليب تنزف الحياة عزيمة وقوّة وفرح الانتصار بلقاء المسيح...

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته