عِلمُ المحبّة… بين خيانة الصديق والتشبّه أكثر بالمسيح

القدّيس بيو يعانق المسيح المصلوب وهو يحمل جراحاته القدّيس بيو يعانق المسيح المصلوب وهو يحمل جراحاته (موزاييك جداريّة في مزار سيّدة النعم في سان جيوفانّي روتوندو-إيطاليا، تصميم الأب ماركو روبنيك اليسوعي) | Provided by: Father Georges Breidi

نُحِبّ بلا حدود، نُعطي من دون مُقابِل، نثِق من دون شروط، ومع ذلك فإنّنا نواجه خيانة الأقرب إلى قلوبنا، ومَنْ ائتمنّاهم على جراحاتِنا، ومَن كانوا إخوةً وأبناءً لنا، وحتّى مَن اعتقدنا أنّهم رأفةُ الله في حياتِنا.

وأمام هذا الواقع المرير حين تصطدم مصداقيّة مشاعرنا أمام قساوة قلوب الآخرين نتساءَل: لماذا؟

قد يُعطينا علم النفس العديد من الأجوبة، وفنّ التواصل الكثير من النظريّات، إلّا أنَّ ما يُبلسِم هذا الجرح الذي لا يُشفى أبدًا، هو ما اختبرهُ إلهنا بالذات، ربّنا يسوع المسيح، مع مَن دعاهُم وأحبَّهُم وناداهم بالأصدقاء والأحبَّة: "فقَد دعَوتكُم أحبّائي" (يوحنّا 15: 15).

فإنّ يهوذا، وحتّى بطرس، قد اختارا مصلحتهما على محبّة المسيح لهما... الأوّل اختار تحقيق الأنا، فباعَ المسيح وصداقة المسيح وكلّ ما قام بِهِ من أجلهِ ومعه وأمامه؛ والثاني خافَ على الأنا عندما دقّت السّاعة، فنكَرَ المسيح ومحبَّة المسيح وثِقَة المسيح بهِ.

كلاهُما اختارَ الأنا، مصلحته الشخصيَّة، على الصداقة الحقيقيَّة؛ فما الفرق بينهما؟

إنَّ كبرياء يهوذا كبيرٌ جدًّا لدرجةٍ أنَّه لا يَقبل طريقَ العودة، ففضَّلَ الموتَ على تقبُّل محبَّة المسيحِ لَهُ مِن جديد؛ أمَّا بطرس فنَدِمَ وبَكى وتابَ، وعوَّضَ عن خيانَتهِ بجوابِ "المحبَّة" الثُلاثيّ، فاستَحقّ مفاتيح ملكوت السماوات.

يهوذا أدار أُذُنَيه لإبليس، فنسِيَ كلّ الخير والمحبّة، وباع ضميرهُ، وصدّق الكذبة على مَن هو الحقّ والحقيقة؛ أمّا بطرس فكلَّت عيناه بدموع المحبّة المجروحة من أجلِهِ، واتَّبَعَ الحقيقة وماتَ عن الأنا، وحمل صليبَهُ وعاشَ من أجلِ المسيح.

يعلّمنا المسيح ما لا يعلّمه أيّ عِلمٍ آخر، فهو يقودنا إلى معرفة "عِلم المحبّة" وعيشِهِ حتّى النفس الأخير: "ليسَ لأحَدٍ حُبٌّ أعظمُ مِن أن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أحِبَّائِه" (يوحنّا 15: 13)؛ وهذا ما قام به بالفعل، فهو بقِيَ على صداقة يهوذا حتّى بعد خيانته، ونرى ذلك جليًّا في بستان الزيتون عندما دنا منه يهوذا وقبّلهُ، فأجابه يسوع: "يا صديقي، افعَل ما جِئتَ لَه" (متّى 26: 50). "يا صديقي"، المسيح أمينٌ لمحبّتِهِ رغم خيانة صديقه له، المسيح وفيٌّ لصداقتِهِ، وهو مستعدٌّ أن ينكر نفسه ولا يختار الأنا، لا بل هو مستعدٌّ أن يموت من أجل صديقِهِ، وهو قد حمل خيانة يهوذا معه حتّى موت الصليب.

فلنُسامِح من خانوا محبّتنا، فلقد جعلونا نتشبّه أكثر بالمسيح!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته