أُمّ الكنيسة... من أجمل ألقاب مريم العذراء!

مريم أمّ الكنيسة-صورة مريم أمّ الكنيسة | Provided by: Vatican Media

"أمّ الله، أُمّ سيّدنا يسوع المسيح، سلطانة السماوات والأرض، سلطانة الرسل، أرزة لبنان" وغيرها من الألقاب العديدة لأمّنا مريم العذراء، التي وإن أعطيناها أروع الألقاب كافّة فهي لا تستوفي حقّ إكرام هذه الأُمّ السماويّة الساهرة على أبنائها ليلًا ونهارًا.

تتكاثر اليوم هذه الألقاب، ومنها ما يتطابق مع العقائد المريميّة وتعليم الكنيسة الرسميّ، كلقب "مريم العذراء أُمّ الكنيسة"، واحدٌ من أجمل الألقاب لمريم العذراء، الذي يجعلنا كمؤمنين على علاقة وثيقة أكثر فأكثر مع أُمّ الله، ودورها الأساسيّ في قلب الكنيسة، وارتباطها بها، فيُسكِتَ الأصوات التي تنادي، باسم مريم، بمعارضة الكنيسة؛ ومنها مَن ينحرف عن الكنيسة تابعةً لإيحاءات وظهورات مرفوضة كنسيًّا وعقائديًّا، لا بل تضرب الإنجيل بحدّ ذاته، كلقب "شريكة الفداء" الذي، وكما قال وشدَّد البابا بنديكتوس السادس عشر، فإنّ "مفهوم شريكة الفداء ينحرف تمامًا عن الكتاب المقدّس وعن كتابات آباء الكنيسة. كلّ شيء يعود إلى المسيح... مريم أيضًا هي كلّ ما هي عليه من خلاله. إنّ مصطلح شريكة الفداء سيخفي تماماً هذه الحقيقة الأصليّة" (Voici quel est notre Dieu, p. 215-216).

مريم لا تنفصل عن الكنيسة؛ مريم متّحدة اتّحادًا وثيقًا بالكنيسة، مريم تصلّي مع الكنيسة وهي صورة الكنيسة، ومِثالًا لكلّ مؤمنٍ كونها التلميذة الأولى في مدرسة الإيمان لدى ابنها يسوع. من هنا نحتفل بعيد "مريم العذراء أُمّ الكنيسة"، واحدٌ من أجمل الألقاب المُعطاة لمريم العذراء. "إنّ العذراء التي عهِدنا إليها يسوع كأُمّ، هي تضمُّنا جميعًا؛ ولكن كاُمّ، وليس كإلهة، ولا كشريكة بالفداء: ولكن كأُمّ… مريم حاضرةٌ هناك، تصلّي من أجلنا، وتصلّي من أجل من لا يصلّي. تصلّي معنا. لماذا؟ لأنّها أمُّنا" (عظة البابا فرنسيس في عيد البشارة، 24 مارس/آذار 2021).

"تصلّي معنا لأنّها أمُّنا"، وهذه هي حقيقة مريم، تسير معنا، تصلّي من أجل من أضاعوا الطريق، تصلّي وتشفع من أجل ثباتِنا في الإيمان باللّه، ترافقنا وتقودنا إلى قلب الكنيسة؛ هناك نلتقي بالمسيح ابنها، المخلّص، الذي يُعطي المعنى لحياتِنا.

أمّا لقب "مريم العذراء أُمّ الكنيسة"، فإنّنا نجد جذوره العميقة عند القدّيس أغُسطينوس والبابا القدّيس ليون الأوّل إذ يقول القدّيس أغُسطينوس إنّ مريم هي أُمّ أعضاء المسيح، لأنّها تعاونت من خلال محبّتها على إعادة خلق المؤمنين في الكنيسة. والبابا القدّيس ليون الأوّل، بتعليقه اللاهوتي حول نصّ الصلب، حين أعطى الربّ يسوع، من على صليبه، مريم العذراء أُمًّا ليوحنّا الحبيب، يقول إنّ ولادة الرأس هي أيضًا ولادة الجسد، فإذًا مريم هي في الوقت عينه أمّ المسيح، ابن الله، وأمّ أعضاء جسد المسيح السريّ أي الكنيسة.

أمّا رسميًّا في الكنيسة الكاثوليكيّة، فإنّه البابا القدّيس بولس السادس هو مَن أعلن لقب "مريم العذراء أُمّ الكنيسة" لقباً رسميًّا لوالدة الإله يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1964 عند ختام الدورة الثالثة من المجمع الفاتيكاني الثاني آنذاك، مشدّدًا على أنّها أمّ جميع المسيحيين، مؤمنين كانوا أم رعاة، الذين ينادونها بالأُمّ الحبيبة ليأتي البابا فرنسيس في 11 فبراير/شباط 2018، يوم العيد الـ160 سنة على ظهورات مريم العذراء في لورد، ويُثبّت عيد "مريم العذراء أُمّ الكنيسة" وإدراجه في الروزنامة اللّيتورجيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة يوم الاثنين الذي يلي أحد العنصرة من كلّ عام.

لماذا يوم الاثنين الذي يلي عيد العنصرة؟ الجواب نأخذه من مشهديّة مريم الحاضرة مع جماعة الرسل في عليّة صهيون عند حلول الروح القدس عليهم. مريم الحاضرة مع الكنيسة، وفي قلب الكنيسة، كأمّ لها، تصلّي مع الكنيسة وتساعد أبناءها للسير تحت هدي روح الله. 

لذا، أمام كلّ الحركات التي تنادي باسم العذراء وتنتقد الكنيسة ورأسها الحبر الأعظم، وتعارض قراراتها وتعليمها وتتّهمها باتّهامات باطلة، فإنّ هذا دليلٌ كافٍ على أنّ مثل تلك الأصوات لا تتطابق بتاتًا مع العذراء مريم، أُمّ المسيح وأُمّ الكنيسة؛ لأنّ مريم "الأمينة لمعلّمها، الذي هو ابنها، الفادي الوحيد، لم تشأ يومًا أن تأخذ شيئًا من ابنها" (عظة البابا فرنسيس في عيد سيّدة غوادالوبي، 12 ديسمبر/كانون الأوّل 2019)؛ هي أيضًا أمينة وحريصة على كنيسة ابنها، وهي المؤمنة الأولى بأنّ الروح القدس هو مَن يقود الكنيسة عبر العصور، وفي كلّ المجامع والتعاليم المقدّسة؛ لذا فهي لا تنفصل أبدًا عنها.

فيا مريم، أُمّ الكنيسة وأُمّنا، علّمينا الطاعة لنحترم كنيسة ابنكِ؛ علّمينا التواضع فلا نتكبّر وننتقد ونعارض؛ علّمينا الصلاة، فنصلّي مع إخوتنا في الكنيسة الواحدة؛ علّمينا المحبّة فتكون حياتُنا شهادةً حقيقيّة على مثالِكِ؛ علّمينا القداسة فنصِلَ يومًا لرؤية ابتسامتكِ الأموميّة.

يا مريم، نحن أبناؤكِ؛ أنتِ لم تتركينا يومًا، ساعدينا ألّا نترككِ؛ أسمعينا دومًا كلماتكِ الأخيرة في إنجيل يوحنّا: "مَهما قال لكم فافعلوه" (يو 2: 5).

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته