أيقونة صلب المسيح... صورة الحبّ الإلهي

أيقونة صلب المسيح-غلاف أيقونة صلب المسيح- | Provided by: Brother Bassilios Kzenny

إنّ الهدف الأسمى للأيقونة في الكنيسة البيزنطيّة هو إظهار الحقائق المقدّسة من خلال ريشة كاتب أيقونات اعتاد على الصوم والصلاة وهو على يقين بأنّ ما يقوم بإظهاره يتخطّى العمل الفنّي. فهو من خلال الألوان والرموز والرسم الهندسي، يُظهر العقائد واللّاهوت، وليس بجهده الخاص، بل بقوّة وإلهام الروح القدس.

ننظر الآن إلى أيقونة صلب المسيح بنظرة تأمّليّة لما تحمله لنا من رموز وأفكار روحيّة. على الصليب، أضحى المسيح المصلوب، الأيقونة بحدّ ذاته! تلك الأيقونة التي لا يُمَلّ من التأمّل بها. يقول القدّيس غريغوريوس النيصي في هذا الصدد: "ينبغي لابن الله أن لا يموت فحسب، بل أن يُصلب لكي يُمسي الصليب لنافذي البصر، لاهوتًا، يعلن إعلانًا مبنيًّا عن السلطان الكليّ الاقتدار للّذي كان ينبغي له أن يظهر عليه والذي هو الكلّ في الكلّ."

أيقونة صلب المسيح. Provided by: Brother Bassilios Kzenny
أيقونة صلب المسيح. Provided by: Brother Bassilios Kzenny

المصلوب

إنّ هذه الإيقونة المجرّدة من الجمال البشري، نرى فيها جمال الحدث بحدّ ذاته، جمال يسوع على الصليب وما قد احتمله لأجلنا. جسد هادئ، مقوّس ومنحنٍ نحو أمّه وكأنّه يذكّرنا بوصيّته على الصليب: "هذه أمّك".

تقاسيم جسمه دلالة على أحشاء رحمته التي أظهرها على الصليب. منديله الأخضر يعبّر عن ما يحمله هذا اللون من رموز ألا وهي الحياة والتجدّد والرجاء: موت يسوع على الصليب هو نقطة انطلاق الحياة، دعوة للتجدّد وعلامة رجاء. كذلك يبشّرنا تدفّق الدّم والماء من جنبه بانطلاقة الكنيسة (رمز لسرَّي الإفخارستيا والمعموديّة) وبداية الخلاص للبشريّة.

مريم العذراء ويوحنا الحبيب

عند تأمّلنا في وجه ونظرة مريم في هذه الأيقونة، يُرتأى لنا حزنها بوضوح. فبوضعها يدها على خدّها تبيّن لنا اختناقها حزنًا على حال ابنها وكأنّها تشاركنا أيضًا بتأمّل الحدث. وبيدها الأخرى تدلّنا عليه وكأنّها تدعونا للتشبّه به وبعدم نسيان ما أقدم يسوع عليه من أجلنا وما احتمله لأجل خلاصنا. تنظر بصمت، مستسلمة للمشيئة الإلهيّة التي ستقود للقيامة.

الثوب الأحمر عند العذراء مريم، يدلّ على الطبيعة الإلهية التي ألبستها إيّاها السماء يوم عيد البشارة بقوّة الروح القدس. ولكن في هذه الأيقونة نلاحظ أيضًا دلالة أخرى لهذا اللّون وهي الألم والحبّ والتضحية. 

أمّا يوحنّا، التلميذ الحبيب، يحني رأسه لآلام معلّمه ويمدّ يده نحو صدره إحترامًا. فيسوع الإله الذي تجلّى أمام يوحنّا على جبل ثابور، يتجلّى حبّه أيضًا على الصليب. فيقول القدّيس مكسيموس أنّ المسيح، على الصليب وعلى جبل التجلّي، أظهر "ذاته" الفريدة. فيدعونا يوحنّا في هذه الأيقونة لنكون ذاك التلميذ الذي يتبع معلّمه حتّى الصليب.

الرموز الأخرى

لا بدّ من الملاحظة عن وجود الخلفيّة الذهبيّة في معظم الأيقونات مهما اختلف موضوعها. فالذهب الذي يُخصّص للهالات والخلفيات ما هو إلّا رمز للنور الغير المخلوق، سموّ الله، إنّه التعبير عن الملوكيّة والألوهيّة والأزليّة. فها هو يسوع المسيح الإله، الملك المصلوب خارج أسوار أورشليم (كما جاء في الكتاب)، قدّ هدّم الهيكل وانشقّ حجابه وهو على الصليب لكي يبنيه من جديد خلال ثلاثة أيّام وصولًا إلى قيامته.

تلفت نظرنا الجمجمة في أسفل الصليب المتمركزة داخل بقعة سوداء، رمز الجحيم. هي جمجمة آدم التي لمستها قطرات دم من جروحات المصلوب، تلك القطرات التي سُفكت من أجل خلاص كلّ البشريّة منذ بدايتها.

في الختام، تأتي أيقونة صلب المسيح مشهدَا تصويريَّا كما روَتها الأناجيل الأربعة. أليست الأيقونة إنجيلَا مصوّرًا بالشكل واللَون؟ وتدعونا الأيقونة للتأمّل في سرّ الفداء وقمّة الحبّ الذي تجلّى مع المصلوب على الصليب. فهو الذي قال: " أنا متى ارتفعت جذبت إليّ الجميع". في هذه الأيقونة، إجتمعت كلّ وسائل التعبير لتصوير أعظم حدث حبّ قد عرفته البشريّة، أعظم تعزية للإنسان. فآلام المسيح هي علامة رجاء، الله هو مع جميع الّذين يتألّمون!

"نسجد لآلامك أيّها المسيح...فأرنا قيامتك المجيدة".

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته