أيّوب تجربة لا تعرف الانكسار

الكتاب المقدس-صورة الكتاب المقدّس | provided by: pixibay

من قصّة "أيّوب" الذي بات صبره مضرب مثل، إذ إنه الرّجل المشهود له بالصّلاح والتّقوى لابتلائه في أقصى التّجارب في ممتلكاته وعائلته وجسده، نمضي كي نلامس فكر الكاتب "ميخائيل نعيمة" في طرحه لمسرحيّته، فيأتي مطوّرًا في أحداثها بأسلوب جديد، وهي من أربعة فصول، وسنحاول أن نكتشف العبرة من الألم، وكيف راح "نعيمة" يحرّك خيال المشاهد أيّ القارئ بتساؤلاته الوجوديّة، بهدف بلوغ حالة اليقين بعد الشّك...

لقد حاول "نعيمة" في مسرحيّته أن يجسّد المعضلة الأكبر في حياة البشر، وهي معضلة القدر والأوجاع التي تصيب الناس نتيجة أعمالهم، وهي تنتج عن وعي أو عن غير وعي. ومن ثمّ إلى أيّ درجة تكون هذه الحقائق بمثابة القصاص لهم!... فيعمل "نعيمة" على تبيان أنّ في الحياة حقيقة ثابتة، وهي أنّ الكلّ يتعرّض للمصائب والألم، ولكن هناك من يتألم ويقول النّاس إنّه يستحق ذلك، وفي المقابل هناك من يعاني وهو لا يستحق معاناته، و"أيّوب" هو الأنموذج الأمثل لهذا الواقع.

والإنسان الذي يعيش حياة الألم، يجب أن يقف أمام ذاته ويسأل عن منابع هذا الألم؛ هل هي من صنع الإنسان ذاته أم أنّه لا يعرف من أين أتته. وهذا الأمر وفق "نعيمة" يشير إلى أنّ العالم الّذي نعيش فيه هو منظم غاية التّنظيم بأسلوب يتجاوز العقل والخيال، وكلّ شيء لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تأثير هذا التّنظيم السّائد في الكون. فلا مجال إلى تصوّرات النّاس حول ما يجري واعتباره من باب الصدفة أو المصادفة، وهنا إذا صحّت هذه الفرضيّة، يمكن القول إنّ كلّ ما يحصل معنا ومن حولنا، يخضع للنّظام الشّامل. من الواضح أنّ "نعيمة" أراد أن يحرّك فينا التّساؤلات؛ فهل هناك من سبيل كي نفهم هذا التّنظيم، فنتجاوز ما يأتينا منه من معاناة، ونسلك عندئذٍ مسالك الرّاحة والطّمأنينة؟

الشرّ الذي أصاب "أيّوب" حلّ من دون شكّ نتيجة تحدّي الشّيطان للّه، إذ راح اللّه يعتزّ بإنسان بارّ كـ"أيّوب" أمام الشّيطان، فما كان من هذا الأخير إلا أن طلب من اللّه أن يطلق يده عنه ويسمح بتعذيبه ليرى كيف سيكفر في النّهاية.

وها نحن أمام رجل بارّ، لا غبار على إيمانه وتقواه، وهو لم يرتكب أيّ إثم يستوجب العقاب. ولكن على الرّغم من ذلك فهو تلقّى أشدّ العذاب، وهذا الواقع حلّ به برضا ربّه الذي جاء تحدّيًا لتحدّي ربّ آخر هو الشيطان. ولكن في النّهاية يسقط الشّر وينتصر وجه "أيّوب" أيّ الخير.

فهذه التّجربة هي لا صراع فيها بين إنسان ونفسه، أو بينه وبين إنسان مثله، أو بينه وبين الطبيعة، بل هناك صراع بين الإنسان وربّه. وهو صراع أليم، إنّه تفتيش عن جذور الخير وسط الشرّ في محاولة إيجاد تفسير لكلّ تلك الحقائق، من أجل بلوغ حالة الارتياح في الوجود.

إذًا، وفق "نعيمة" لا يأتي الألم باستمرار على أنّه قصاص ناتج عن النظام المادّي أو الرّوحي، بل قد يكون في بعض الأحيان تجربة أو اختبارًا لإيمانه بعدل ذلك النظام وثباته. وهذا الامتحان تفرضه على الممتحن إرادة غير إرادته، ولكنها تدرك أنّ هذا الإنسان بات جاهزًا لأن يتخطّى الامتحان النهائي.

وتجدر الإشارة إلى أن يوم الأربعاء من الأسبوع المقدّس يُسمّى في التقاليد الشعبيّة المارونيّة "أربعاء أيّوب"، وتقرأ الكنيسة فصلًا من سفره الذي يصف الويلات التي حلّت عليه حتى أصبح مثالًا للصبر وتحمّل الآلام والثقة المطلقة بالله.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته