الألم الخلاصي في كلمات الباباوات

الألم الخلاصي في كلمات الباباوات-صورة الألم الخلاصي في كلمات الباباوات | created by: Guitta Maroun/CNA

الألم في المسيحيّة لا يُحدّ بالصليب، علامة انتصار المسيح على الموت، بل يتحوّل إلى وثبة نحو القيامة بعد اقترانه بالسرّ الفصحي.

"إن صليب المسيح يلقي على الأخصّ نورًا خلاصيًّا ساطعًا في حياة الإنسان وفي ألمه لأنه ينفذ إليه عبر الإيمان، وفي الوقت عينه، عبر القيامة: إن سرّ الآلام يكمن في السرّ الفصحي، وشهود آلام المسيح هم شهود قيامته. وهذا ما كتبه القديس بولس: "أعرف يسوع وقوّة قيامته، وأشترك في آلامه، وأتشبّه بموته، لعلّي أستطيع بلوغ القيامة من بين الأموات". بهذه الكلمات، تحدّث البابا يوحنا بولس الثاني عن الصليب وسرّ الآلام والفصح في رسالة "الألم الخلاصي" (1984).

البابا يوحنا بولس الثاني وثمن الفداء

في سياق متصل، تناول البابا يوحنا بولس الثاني في الرسالة عينها ثمن فداء البشريّة، مردفًا: "إن الاشتراك في آلام المسيح هو، في الوقت عينه، آلام من أجل ملكوت الله. وفي عين الله العادل وأمام قضائه، يصبح جميع الذين يشتركون في آلام المسيح، أهلًا لهذا الملكوت. وهم يدفعون نوعًا ما، بما يقاسون من شدائد، ثمن آلام المسيح وموته، وهو ثمن فدائنا الذي لا حدّ له: وبهذا الثمن يتوطّد مجدّدًا ملكوت الله في تاريخ الإنسان، ويضحي أقصى ما يتطلّع إليه في حياته على الأرض. لقد أدخلنا المسيح بآلامه في هذا الملكوت، والذين يغمرهم سرّ فداء المسيح، يصبحون ناضجين للعمل على بنائه".

ولفت الأب الأقدس إلى أن هذا التطلّع إلى ملكوت الله يقترن برجاء المجد الذي ابتدأ بصليب المسيح، مضيفًا: "لقد تجلّى هذا المجد بالقيامة -المجد النهيوي- الذي حجبته على صليب المسيح آلام قادحة. والذين يشتركون في آلام المسيح، هم أيضًا مدعوّون، بما يتحمّلون من آلام، إلى الاشتراك بالمجد".

وتطرّق البابا يوحنا بولس الثاني إلى العلاقة بين قيامة المسيح والمجد، قائلًا: "لقد كشفت قيامة المسيح عن مجد الدهر الآتي، وأثبتت في الوقت عينه مجد الصليب: هذا المجد الكامن في آلام المسيح، والذي غالبًا ما انعكس وينعكس في آلام الإنسان كصورة تظهر عظمته الروحيّة".

البابا بنديكتوس السادس عشر والسرّ الفصحي

من جهته، سلّط البابا بنديكتوس السادس عشر الضوء على إدراك سرّ الصليب في تعليمه في خلال إحدى مقابلاته العامّة في نيسان 2007، معلنًا: "في العشيّة الفصحيّة، سينشقّ حجاب الحزن واليأس الذي غلّف الكنيسة بسبب موت الربّ ودفنه إلى اثنين بصيحة النصر: المسيح قام وانتصر على الموت إلى الأبد! حينئذٍ فقط نفهم سرّ الصليب، وكيف أنّ الله يخلق الأعاجيب أيضًا حيث المستحيلات -بحسب ما جاء عند أحد الكتّاب القدامى- لكي ندرك أنّ باستطاعته هو وحده أن يفعل ما يريد. فمن موته نستمدّ حياتنا ومن جراحاته شفاءنا ومن سقطته قيامتنا ومن انحنائه ارتفاعنا".

وشدّد البابا بنديكتوس السادس عشر على أنّ السرّ الفصحي الذي سنحياه مجدّدًا في الثلاثيّة المقدّسة ليس مجرّد ذكرى لواقع غابرٍ بل هو واقع راهن، إذ إنّ المسيح اليوم وبحبّه الكبير ينتصر على الخطيئة والموت، مضيفًا: "ليس للموت، أيًّا كانت أشكاله، الكلمة الأخيرة لأنّ الغلبة النهائيّة هي للمسيح، للحقّ والمحبّة. فإن كنّا مستعدّين للتألّم والموت معه تغدو عندئذٍ حياته حياتنا، بحسب ما يذكّرنا القديس بولس في رسالة العشيّة الفصحيّة" (رو 6: 9).

البابا فرنسيس والباب المفتوح

إلى ذلك، تناول البابا فرنسيس في أحد تعاليمه في الصلاة (تشرين الأوّل 2020) معنى الألم، قائلًا: "الجميع يعاني في هذا العالم: سواء أكان مؤمنًا بالله أم غير مؤمن. في سفر المزامير، يصبح الألم علاقة، صلة: صرخة استغاثة تنتظر أن تبلغ أذنًا تسمع. لا يمكن أن يبقى الألم بلا معنى وبدون هدف".

وأضاف الأب الأقدس: "كلّ آلام الناس في سبيل الله مقدّسة. هكذا يصلّي صاحب المزمور: قد عَدَدتُ خَطَواتي التَّائِهة، فاْجعَلْ دُموعي في قِربَتِكَ. أَوَلَيسَت في سِفرِكَ؟ (مز 56: 9). أمام الله نحن لسنا غرباءَ أو أرقامًا. نحن وجوه وقلوب، كلّ واحد منا معروف باسمه. في المزامير يجد المؤمن جوابًا. فهو يعلم أنّ باب الله مفتوح حتى لو كانت جميع الأبواب البشريّة مغلقة. ولو كان العالم كلّه قد أصدر عليه حكمًا، فمع الله يوجد خلاص".

ودعا الحبر الأعظم إلى التفكير بأنّ يسوع يبكي معنا في الألم، ما يعزّينا ويساعدنا على المضي قدمًا، خاتمًا تعليمه بالقول: "إذا بقينا على علاقة معه، فإنّ الحياة لن تُجنّبنا الآلام، لكنها ستفتح لنا أفقًا واسعًا من الخير وننطلق نحو تتمّته. تشجّعوا، ولنمضِ قدمًا في الصلاة. يسوع دائمًا إلى جانبنا".

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته