بين "هوشعنا" بأقوالنا و"اصلبه" بأفعالنا

بين هوشعنا واصلبه بين "هوشعنا" بأقوالنا و"اصلبه" بأفعالنا | provided by: Father Georges Breidi

ها هو أحد الشعانين، أحد الهتافات والألوان، الأحد الذي نأتي إليه متزيّنين بأبهى حُلَلِنا الخارجيّة، الأحد الذي نهتف فيه ونقول مجاهرين بمسيحيّتنا: "هوشعنا! مباركٌ الآتي باسم الربّ!"

في الحقيقة، اليوم بدأتُ أفهم أكثر من قبل أمرَيْن: الأوّل، كيف أنّ أحد الشعانين، أحد الفرح، هو اليوم الذي نفتتح فيه أسبوع الآلام، آلام ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح؛ والثاني، كيف أنّ الانسان لم يتغيّر منذ ألفي عام، فهم أنفسهم من هتفوا: "هوشعنا!"، صرخوا بعد أيّامٍ قليلة: "اصلبهُ!"، وهذا ما زلنا نفعله حتّى اليوم...

حول تلك النقطتَين، سأتوقّف اليوم معكم أعزّائي القرّاء، عسى ما يُلهِمني إيّاه الله يكون فحصًا لضميري وضميركم مع بداية الأسبوع العظيم.

أوّلًا، إنّ الشعانين هي دعوةٌ إلى الفرح. هذا صحيح، ولكن لكي نحصل على هذا الفرح الحقيقي الذي وعدنا به الربّ يسوع، الفرح الذي لا يُعطيه العالم، لا بُدّ لنا من أن نفرغ قلوبنا من الخطيئة ونملأها من الحبّ الوحيد الذي نأخذه من ذبيحة الخلاص على الصليب. وفي الحقيقة، فإنّ كلمة "هوشعنا" في أصلها الآرامي-العبريّ تعني: "نرجوكَ يا ربّ، خلّصنا"... إنّها صرخة الخطيئة من داخلنا! صرخةٌ بحاجةٍ إلى أن تُجدّدنا وتُعيد لنا الحياة فينا التي نفقدها عندما نقرّر عيش روح العالم بدل روح الله!

لذا، ففي أحد الشعانين، نحن مدعوّون لا لأن نتزيّن من الخارج فقط، بل أن نزيّن قلوبنا بروح التوبة، فتعود نظيفة، طاهرة، نقيّة؛ قلوبٌ هياكل حقيقيّة للروح القدس السّاكن فينا.

أمّا ثانيًا، فدعونا نكون واقعيين، حقيقيين، ولو لمرّة واحدة في حياتنا: كم من مرّةٍ، وفي يومنا الواحد، ردّدنا فيها أصوات الفرح والصلاة والترانيم لله، ثمّ عُدنا فاخترنا أن نصلبه باختيارنا عيش حياة مخالفة لروح الصلاة وروح الله!

كم من مرّة نردّد "هوشعنا!" على شفاهنا وبأقوالنا، أمّا أفعالنا فهي "اصلبهُ!" دائمة لا ننفكّ عن تردادها: في حياة السهر، في حياة اللّيل، في العلاقات الخاطئة، في الزنى والسكر والشتيمة، في البغض والحقد وروح الانتقام، في الثرثرة والنميمة والغضب وفقدان السيطرة على الذات...

كمّ من مرّة نردّد "هوشعنا!" في الكنائس، أمّا قلوبنا فهي خالية من المحبّة، قلوبٌ تجرح، تحقد، تُسيء للآخَر، لا تعرف أن تسامح... لا تعرف أن تُحِبّ بالحقيقة!

هذا ما يُسمّى بحالة "الانفصام المسيحيّ" حيث أفعالنا اليوميّة غير مطابقة لصلاتنا وإيماننا واتّحادنا بسرّ القربان الأقدس في المناولة. انفصامٌ نهرب من تحمّل مسؤوليّته، فنضع اللّوم على المجتمع والتربية والآخَر دائمًا؛ أمّا في الحقيقة، علينا أن نتعلّم كيف نحمل مسؤوليّة إيماننا المسيحيّ، لا بالأقوال فقط، بل بالأفعال اليوميّة وبأصغر تفاصيلها!

أمام هذا التناقض، أمام اختياراتنا الدائمة لنداء "اصلبه!" المخفيّ في داخلنا، علينا أن نطرح تساؤلًا كبيرًا حول نوعيّة صلاتنا وحقيقة "هوشعنا!" فينا.

في أحد الشعانين هذا، أطلب منكَ أيّها الربّ يسوع أن تملأ قلوبنا من حبّكَ، فيتغلّب حبُّكَ على كلّ أنواع الخطايا التي نختارها فينا، وأن تعطينا نعمة الإيمان بأنّك المخلّص الوحيد لنا. أعطِنا نعمة الثبات ونعمة التوبة، فنؤهَّل أن ندخل معكَ أسبوع آلامِكَ المجيدة، ونحمل صلباننا بفرحٍ حقيقيّ، فرح التائب، ونسير معكَ مسيرة الخلاص لنحصل باتّحادنا بكَ على حياة القداسة التي تريدنا أن نعيشها.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته