أيّوب… ثقة مطلقة بالله وتجارب مكلّلة بالانتصار

أيّوب وأصدقاؤه أيّوب وأصدقاؤه | Provided by: Ilya Repin/Public Domain/NCR

من قصّة أيّوب الذي بات صبره مضرب مثل إذ إنه الرجل المشهود له بالصلاح والتقوى لابتلائه في أقصى التجارب في ممتلكاته وعائلته وجسده، نمضي كي نلامس فكر الكاتب ميخائيل نعيمة في طرحه لمسرحيّته، فيأتي مطوّرًا في أحداثها بأسلوب جديد، وهي من أربعة فصول. وسنحاول أن نكتشف العبرة من الألم، وكيف راح نعيمة يحرّك الخيال بتساؤلاته الوجوديّة بهدف بلوغ حالة اليقين بعد الشك.

لقد حاول نعيمة في مسرحيّته أن يتناول معضلة كبيرة في حياة البشر، وهي الأوجاع التي تصيبهم نتيجة أعمالهم، والتساؤل إلى أيّ درجة تكون هذه الحقائق بمثابة قصاص لهم، فعمل نعيمة على تبيان أن في الحياة حقيقة ثابتة، وهي أن الجميع يتعرّضون للمصائب والألم، لكن هناك من يتألم ويقول الناس إنّه يستحق ذلك، وفي المقابل هناك من يعاني وهو لا يستحق معاناته، وأيّوب هو الأنموذج الأمثل لهذا الواقع.

الإنسان الذي يعيش حياة الألم، يجب أن يقف أمام ذاته ويسأل عن منابع الوجع؛ هل هي من صنع الإنسان ذاته أم هو يجهل مصدرها. وهذا الأمر وفق نعيمة يشير إلى أن العالم الذي نعيش فيه هو منظّم بأسلوب يتجاوز العقل والخيال، وكل شيء لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تأثير هذا التنظيم السائد في الكون. فلا مجال إلى تصوّرات الناس حول ما يجري واعتباره من باب الصدفة أو المصادفة.

وإذا صحّت هذه الفرضيّة، يمكن القول إن كل ما يحصل معنا ومن حولنا يخضع للنظام الشامل. من الواضح أن نعيمة أراد أن يحرّك فينا التساؤلات؛ فهل هناك من سبيل كي نفهم هذا التنظيم، فنتجاوز ما يأتينا منه من معاناة، ونختبر عندئذٍ الراحة والطمأنينة؟

إن الشرّ الذي أصاب أيّوب حلّ نتيجة تحدّي الشيطان للّه إذ راح الربّ يعتزّ بإنسان بارّ كـ«أيّوب» أمام الشيطان، فما كان من هذا الأخير إلا أن طلب من اللّه أن يطلق يده عنه ويسمح بتعذيبه ليرى كيف سيكفر في النهاية.

وها نحن أمام رجل بارّ، لا غبار على إيمانه وتقواه، وهو لم يرتكب أيّ إثم يستوجب العقاب. لكن على الرغم من ذلك، فهو تلقّى أشدّ العذابات، وهذا الواقع حلّ به برضا ربّه الذي جاء تحدّيًا لتحدّي الشيطان. لكن في النهاية، يسقط الشرّ وينتصر وجه أيّوب أيّ الخير.

إن هذه التجربة لا تشير إلى وجود صراع بين الإنسان وذاته، أو بينه وبين إنسان مثله، أو بينه وبين الطبيعة، بل تدلّ على الصراع بين الإنسان وربّه. وهو صراع أليم، إنّه تفتيش عن جذور الخير وسط الشرّ في محاولة إيجاد تفسير لكل تلك الحقائق.

إذًا، لا يأتي الألم باستمرار على أنّه قصاص ناتج عن النظام المادّي أو الروحي وفق نعيمة، بل قد يكون في بعض الأحيان تجربة أو اختبارًا لإيمانه بعدل ذلك النظام وثباته. وهذا الامتحان تفرضه على الممتحن إرادة غير إرادته، لكنها تدرك أن هذا الإنسان بات جاهزًا لأن يتخطّى الامتحان النهائي.

وتجدر الإشارة إلى أن يوم الأربعاء من الأسبوع المقدّس يُسمّى «أربعاء أيّوب»، وتقرأ الكنيسة فصلًا من سفره الذي يصف الويلات التي حلّت به حتى أصبح مثالًا للصبر وتحمّل الآلام والثقة المطلقة بالله.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته