باكستان: مصرع مسلم في حادثة قتل جماعي بشبهة ازدراء الأديان

تظاهرات قام بها مسيحيّون كاثوليك في باكستان على خلفيّة استهداف الكنائس في العام 2015 تظاهرات قام بها مسيحيّون كاثوليك في باكستان على خلفيّة استهداف الكنائس في العام 2015 | Provide by: Asianet-Pakistan/Shutterstock

اعتقلت الشرطة الباكستانيّة ما لا يقلّ عن اثني عشر رجلًا مسلمًا بتهمة المشاركة في حادثة القتل الجماعي لمسلم متّهم بالتجديف في مدينة نانكانا صاحب بإقليم البنجاب التي تبعد قرابة 352 كيلومترًا عن العاصمة الباكستانيّة إسلام أباد، بعدما أسفرت التحقيقات عن تحديد هويّتهم عبر مقاطع فيديو تمّ تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ودان عددٌ من السياسيين المسلمين البارزين هذه الحادثة، إذ أكد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في تصريح خاصّ، بعد تداول مقاطع فيديو للحادث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن إجراءاتٍ ستُتّخذ ضد ضبّاط الشرطة الذين فشلوا في أداء واجبهم ولم يتمكّنوا من السيطرة على الغوغاء، مردفًا: «لا يجوز لأحد أن يطبّق القانون بيده». وفي إجراء لاحق، تمّ توقيف اثنين من كبار ضبّاط الشرطة لفشلهما في تجنّب قتل الأصوليين.

وكانت الشرطة المحلّية قد تلقّت بلاغًا ضد وارس علي، وهو من السكان المحلّيين، يوم الحادي عشر من فبراير/شباط 2023، يتّهمه بالإساءة إلى القرآن. فاعتقلته الشرطة واحتجزته في سجن مركز شرطة واربورتون. ترافق ذلك مع إعلان المساجد المحلّية عبر مكبّرات الصوت عن حادثة الازدراء، فخرج مئات الأشخاص إلى الشوارع للاحتجاج على الأحداث، ثمّ تجمّعوا خارج مركز الشرطة، مطالبين بتسليم المتّهم إليهم.

وإزاء امتناع الشرطة عن قبول طلبهم، هاجم المتظاهرون، برفقة عدد من الأطفال، مركز الشرطة، وحطّموا الأبواب والنوافذ. وبعدما خرجت الأوضاع عن السيطرة، هرب أفراد الشرطة لينجوا بحياتهم. فأخرج المهاجمون المتّهم من قسم الشرطة وانهالوا عليه بالضرب المبرّح، ثمّ قتلوه بأبشع الطرق، كما حاولوا إشعال النار في جثّته.

وكان محسن رضا نقفي، رئيس وزراء ولاية البنجاب الموقّت، قد شكّل لجنة متابعة لإعداد تقرير عن الحادثة في حين أعلن مسؤولو الشرطة المحلّيون أنهم سيتّخذون إجراءات إداريّة وقانونيّة حازمة ضد المسؤولين عن وقوعها.

لا تُعدّ هذه الحادثة فريدة من نوعها في الباكستان، إذ يلقى شخص واحد على الأقلّ مصرعه سنويًّا على أيدي الحشود الغاضبة بدعوى ازدراء الأديان. في الثاني عشر من فبراير/شباط 2022، رُجِمَ رجل مسلم في منتصف العمر حتى الموت على يد حشد غاضب في منطقة خانيوال بمقاطعة البنجاب بتهمة تدنيس القرآن. في الثالث من ديسمبر/كانون الأوّل 2021، أُضْرِمَت النار في جسد مدير مصنع سريلانكي في سيالكوت بزعم إهانة آيات إسلاميّة. والملاحظ أن اقتراف أفعال مماثلة متطرّفة لا يقتصر على غير المتعلّمين، فقد أقدم طلاب جامعيّون مسلمون في بيشاور على قتل زميلهم في أبريل/نيسان 2017 في وضح النهار.

وقد أصبح التجديف مسألةً مثيرة للقلق في باكستان منذ ثمانينيّات القرن الماضي حينما شرّع الديكتاتور العسكري الجنرال ضياء الحقّ قوانينَ تُجرِّم التجديف في البلاد. لكن الملاحظ أن هذه القوانين تُستغلّ لمصالح شخصيّة في معظم الحالات، أو يستخدمها الأصوليّون لإشباع دوافعهم الدينيّة المتشدّدة. ولن يكون بإمكان أيّ شخصٍ تُوَجَّهُ إليه تهمة التجديف أن يعيش حياة طبيعيّة، إذ يقضي الناس سنوات طويلة بانتظار تحقيق العدالة، على سبيل المثال آسيا بيبي، باكستانيّة مسيحيّة، أمضت تسع سنوات بانتظار إطلاق سراحها لتهرب لاحقًا إلى كندا بحثًا عن الأمان الذي لم تجده في بلادها.

في ظلّ مزاعم التجديف الكاذبة ضد المسيحيين، شهدت السنوات الأخيرة تعرّض مناطقهم للهجوم والتدمير من حشود المسلمين الغاضبين، فيما يبدو أن لا نهاية لقتل المسلمين وغير المسلمين، ولا سيّما المسيحيين والهندوس، لمجرّد الاشتباه في ارتكابهم التجديف ضد نبيّ الإسلام والقرآن والشخصيّات الإسلاميّة.

يُذكر أن ديلي داون، صحيفة باكستانيّة شهيرة ناطقة باللغة الإنكليزيّة، قالت إن الدولة، على مدى عقود، سمحت للتطرّف بالنموّ في الداخل.

وقد كشف تقريرٌ لمركز البحوث والدراسات الأمنيّة (CRSS) في إسلام آباد أن 1415 حالة اتهام بالتجديف حصلت منذ استقلال باكستان في العام 1947. كما قُتِلَ ما لا يقلّ عن تسعين شخصًا، من المسلمين وغير المسلمين، خارج نطاق القضاء بسبب اتهامات بالتجديف، وفقًا لمنظمة Minority Concern. وتجدر الإشارة إلى أن غالبيّة حالات التجديف تحصل في مقاطعة البنجاب الباكستانيّة، حيث يعيش ثمانون في المئة من المسيحيين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته