أربيل, الأحد 21 ديسمبر، 2025
قد يبدو الربط بين الميلاد والقيامة أمرًا غير مألوف للوهلة الأولى؛ فهنا طفل يولد في مغارة فقيرة في بيت لحم، وهناك مخلّص يقوم من قبر محفور في صخرٍ بأورشليم.
فما الرابط بين مغارَتَي الميلاد والقيامة، وبين المذود والصليب الخشَبيَّين؟ وهل كانت نجمة المشرق التي ظهرت للمجوس قَبَسًا من نور فجر الأحد؟ وهل يمكن أن يكون الميلاد قيامةً، والقيامة ميلادًا جديدًا؟ عندما نقرأ روايات الميلاد بعينٍ كتابيّة ولاهوتيّة، نكتشف إشارات واضحة إلى القيامة تحملها رموزها الأساسيّة: «المذود، والمغارة، والنور، والزائرون»، كما بيَّنَ الأب نويران ناصر الدومنيكيّ في حديثه عبر «آسي مينا».
وأبرَز تركيز الإنجيليّ لوقا على «المذود» بصفته العلامة التي أعطاها الملاك للرعاة: «تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ»، مستعملًا الكلمة اليونانيّة: «φάτνῃ – فَاتْنِي»، وتعني حرفيًّا «المَعْلَف». وبمرور الزمن، غَدَت هذه العلامة تشير إلى مكان الميلاد، لا المَعْلَف وحده، ولتكون خشبتا المذود والصليب قد أسهَمتا في منح العالم الحياة الأبديّة.
قوت الأرواح
وأوضح أنّ حضور الطفل الإلهيّ في المذود، وهو مكان طعام، ليس إلّا إعلانًا أنّ الله يهب نفسه غذاءً لشعبه، فيصبح المذود تمهيدًا سرّيًّا للمذبح، ويصبح الخبز الذي يوضع لاحقًا على المائدة المقدّسة امتدادًا لسرّ التجسّد نفسه.
من اللافت استعمال لوقا فعلَين يونانيَّين متقاربين ليشير إلى الترابط بين الميلاد «ἔτεκεν– إيتِكين- وَضَعَت»، والدفن: «ἐτέθη– إيتِثي-وُضِع» في القبر. «وكأنّ الروح القدس يريد أن يهمس بأنّ الطفل الذي وُضِعَ (وُلِدَ) في المغارة، سيُوضَع في القبر، وأنّ الذي خرج من أحشاء البتول سيخرج أيضًا من باطن الأرض»، بحسب ناصر.
جئنا لنسجد له
وتابع: «فيما ابتغى لوقا الإشارة إلى أنوار القيامة المزمعة بذكره "مَجْد الرَّبِّ" المُضيء حول الرعاة، قَصَد الإنجيلي متّى المعنى عينه بذكره النجم الذي قاد المجوس، فـ"أَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ"، ليؤكّد سجود الأمم للمولود الإلهيّ».
وردت الكلمة اليونانيّة «κατάλυμα – كاتاليمّا» مرّتين في إنجيل لوقا (2: 7)، (22: 11)؛ فأشارت في الأولى إلى المكان الذي لم يكن فيه موضعٌ للعائلة المقدّسة، وفي الثانية دلَّت على «الغرفة العليا» حيث تمّ العشاء الأخير. شرح ناصر هذه المفارقة اللاهوتيّة العميقة: «المكان الذي لم يتّسع للميلاد أصبح في النهاية المكان الذي فيه يُعطي المسيح جسده ودمه، فصار يتّسع للعالم بأسره. وكأنّ لوقا يضع الميلاد تحت نور الفداء منذ اللحظة الأولى».
وختم: «هكذا تُصبح الرموز الإنجيليّة كلّها ممهِّدات لسرٍّ أكبر: سرّ المسيح الذي يولد ليموت، ويموت ليقوم، والذي يتجلّى مجد خلاصه عبر علامات بسيطة: مذود خشبيّ كمثل الصليب، قماط يلفّ الجسد كمثل كَفَن، ومغارة مظلمة منها يشرق المسيح نورًا للعالم».
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته