بعلبك, السبت 20 ديسمبر، 2025
لعيد الميلاد في لبنان نكهة خاصّة: من الشمال إلى الجنوب، تتزيّن القرى وتُضاء الشوارع، لأنّ الناس اعتادوا أن يختاروا الفرح مهما اشتدّت الظروف.
الفرح الذي حمله البابا لاوون الرابع عشر إلى البلاد لم يتلاشَ، بل وجد في زمن الميلاد امتدادًا طبيعيًّا له. حتّى في المناطق التي نادرًا ما تُذكَر إلّا في سياق السلاح والصراع، تَظهر صورةٌ أخرى. في بلدة مجدلون، في قضاء بعلبك، يبني رهبان مغارة ميلاديّة يُقال إنّها الأكبر في الشرق الأوسط.
خدمَ الأب إلياس مارون غاريوس في المنطقة أكثر من ثلاثين عامًا. وفي خلال مسيرته، يُعتقد أنّه أَسهَم في اعتناق نحو 600 شخص الدين المسيحيّ. وهي رسالة دفع ثمنها غاليًا، إذ خُطِفَ إحدى عشرة مرّة، وفُرضت عليه قيودٌ متعدّدة. ورغم كلّ ذلك، اختار هذا الميلاد أن يُقدِّم مغارةً غنيّة بالرموز. قالَ إنّ العمل كان دقيقًا وشاقًّا، واستغرق إنجازه شهرين كاملين. يبلغ ارتفاع المغارة نحو عشرة أمتار، وعرضها عشرين مترًا، وقد تطلّب تنفيذها جهدًا كبيرًا. وشرح غاريوس أنّ هذه المغارة تُجسّد كهوف لبنان التي عاش فيها أجدادنا، وتحمل رسالة واضحة إلى العالم: «لن نُهزَم. لبنان لن ينهار. وسيعود وطنًا للسلام».
تتميّز المغارة بتفاصيل رمزيّة دقيقة. فقد حنّط الراهب حيوانات عدّة، تظهر داخل المشهد كعناصر ذات دلالات واضحة: خراف ترمز إلى البشر، أفاعٍ تمثّل الشرّ، وغزلان محاصَرة بذئاب. وأوضح أنّ لهذه المغارة هدفًا ورسائل تتجاوز الشكل التقليديّ. فشخصيّة هيرودس تُقدَّم كرمزٍ لملك هذا العالم، أي للشرّ ولسلطات العالم الفاسدة. وفي المقابل، تتقدّم الشعوب نحو الطفل يسوع، مصدر الخلاص.
وتتضمّن المغارة مشاهدَ رمزيّة أُخرى، بينها حوارٌ بين الله الآب والابن، وتحذيرٌ من الذئاب التي تهدّد الخراف، في صورةٍ عن الشرّ الذي يحاول افتراس الأبرياء. كما يحضر النبيّ داود، برسالةٍ واضحة مفادها أنّ التسبيح لله سيبقى قائمًا مهما فعلت قوى العالم.
ويُبرز غاريوس أيضًا صورة العائلة اللبنانيّة المجتمعة حول الكتاب المقدّس، إذ يتوقّف الجميع عن العمل ليستمعوا إلى كلمة الله، للتشديد على أنّ الإيمان يبقى ملجأ العائلة مهما اشتدّت الأزمات. ولبنان نفسه معروض عبر خريطة كبيرة مغطّاة ببياض القيامة، يتوسّطها الطفل يسوع في قلب أرزة لبنان. وهي رسالة تقول إنّ هذا البلد سيقوم مجدّدًا، مهما حاول البعض تدميره، لأنّه وُلد مع المسيح، وسيبقى علامة سلام لا يُهزَم.
في عنبرٍ بسيط، وسط منطقة مثقلة بالعتمة والانقسامات، اختار راهب أن يجعل مغارة الميلاد إعلانًا واضحًا: رغم كلّ الظلام، لبنان لن يُدمَّر لأنّ أبناءه هم أبناء النور.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته