الجمعة 5 ديسمبر، 2025 تبرّع
EWTN News

لبنان المُنقسم يُشرّع الأبواب لاستقبال البابا لاوون

البابا سيتكلّم في لبنان عن السلام والحوار المسيحيّ الإسلاميّ/ مصدر الصورة: الوكالة الوطنيّة للإعلام

في العام 1909، حين مرَّ الصليبيّون بقيادة مبعوثٍ حبريّ على الطريق الساحليّة الوعرة باتّجاه القدس، التقوا أفراد شعبٍ صلب وودود، هم «الأمّة المارونيّة»، حسبما جاء في كتابات «وليم الصُّوريّ» الذي لفت إلى أنّ هذا الشعب خدَمَ «مصالحنا المهمّة والكثيرة في مواجهة أعدائنا».

هذا اللقاء الذي حصَلَ في خلال الحملة الصليبيّة الأولى، يُمثّل على الأرجح أوّل تواصلٍ بين موكب حبريّ ومَن يُعرَفون اليوم بمسيحيّي لبنان. وقد تعزّزت هذه الصلة تدريجًا على مرّ القرون. ووصل الفرنسيسكان الأوائل إلى بيروت سنة 1200. وفي العام 1215، شارك البطريرك المارونيّ إرميا الثاني العمشيتيّ في مَجْمَع اللاترن الرابع في روما، وبحلول العام 1584 صارت للموارنة كلّيّةٌ حبريّة خاصّة بهم في روما.

قبل ساعات من زيارة البابا لاوون الرابع عشر، يقف لبنان اليوم على حافّة الهاوية. في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، نفّذت إسرائيل ضربةً جوّيّة في وسط بيروت بهدف القضاء على قائدٍ عسكريّ كبير في «حزب الله». ورغم صمود اتّفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل إلى حدٍّ ما، لم تُنفَّذ شروط الاتّفاق، وهو ما قد يؤدّي إلى نسفه في أيّ لحظة.

يمكن القول إنّ لبنان منقسمٌ بين مشاهد ثلاثة. هو يترنّح بين الحرب والسلام. منذ أواخر ستّينيّات القرن الماضي، انجرَّ البلد مرارًا إلى قلب الصراع العربيّ الإسرائيليّ. ورغم أنّ معظم اللبنانيّين، وبخاصّة المسيحيّين، لا يريدون أيّ حربٍ جديدة، تبدو القيادات السياسيّة عاجزةً عن اتّخاذ خطوات نحو السلام أو حتّى التزام الحياد.

أمّا مشهد الانقسام الثاني فهو بين المسلمين والمسيحيّين. ورغم تراجع عدد المسيحيّين، لا يزال لبنان يضمّ أعلى نسبة منهم في المنطقة. وقد منح اتّفاق الطائف (1989) الذي أنهى الحرب الأهليّة، المسيحيّين نصف المقاعد البرلمانيّة. ولا يزال الموارنة يشغلون مناصب أساسيّة في الدولة، بينها خصوصًا رئاسة الجمهوريّة وقيادة الجيش. ولا شكّ في أنّ البابا لاوون سيتكلّم في لبنان عن السلام، وهو شعار زيارته: «طوبى لصانعي السلام»، وسيتحدّث أيضًا عن الحوار المسيحيّ الإسلاميّ . وفي هذا الإطار، يُعقَد في 1 ديسمبر/كانون الأوّل، «لقاءٌ مسكونيّ ودينيّ» في ساحة الشهداء في بيروت. لكنّ مشهد الانقسام الثالث هو بين المسيحيّين أنفسهم في الكواليس. ويُقصَد هنا الاختلاف في الرؤى السياسيّة بين المسيحيّين اللبنانيّين، ولا سيّما الموارنة، حول شكل الدولة اللبنانية وطبيعتها.

وهذا النقاش ليس جديدًا، بل هو قائمٌ منذ قيام دولة لبنان الكبير في العام 1920 تحت الانتداب الفرنسيّ. والسؤال كان: هل أنّ دولة صغيرة «بطابع مسيحيّ بارز» أفضل للمسيحيّين؟ هل هي ملجأ لمسيحيّين مُضطهَدين أم دولة متعدّدة الطوائف تخضع لمعادلات ديموغرافيّة متغيّرة؟ هل هي دولة عربيّة تسير في خطى الجامعة العربيّة، أم أنّها كيانٌ يسعى إلى هويةٍ خاصّة به؟

في خلال الحرب الأهليّة (1975–1990)، أنشأت الأحزاب المسيحيّة مع ميليشياتها دويلةً تُغطّي نحو 20 في المئة من مساحة البلاد. وقد عادت سوريا آنذاك لاحتلال تلك المنطقة بالقوّة. وأتى اتّفاق الطائف ليُكرّس الوصاية السوريّة، ويؤكّد «عروبة» لبنان، وينزع سلاح الميليشيات المسيحيّة وغيرها، باستثناء سلاح «حزب الله». وانتهت الهيمنة السوريّة لاحقًا لتحلّ محلّها هيمنة «حزب الله» الموالي لإيران، والتي ما زالت مستمرّة.

واليوم يكثر الكلام عن احتمال عقد اتّفاق «طائف ثانٍ»، برعاية سعوديّة، لمعالجة قضيّة «حزب الله» وإيجاد توازنٍ بين المصالح السعوديّة والإيرانيّة. والفكرة ليست في إقرار اتّفاقٍ جديد، بل تنفيذ الاتفاق القديم بالكامل، أي الانتقال من النظام الطائفيّ إلى «دولة مدنيّة»، وهو مسارٌ قد يُضعف الصوت السياسيّ المسيحيّ الهشّ أصلًا. ورغم أنّ القيادات المسيحيّة التقليديّة تُعارض في معظمها اليوم «حزب الله» ونظام «الحرب الدائمة»، فإنّ شبابًا مسيحيّين كثيرين يُطالبون بما هو أبعد من ذلك، ويريدون رؤية «طابعٍ فدراليّ» في لبنان.

إذا دخلَ لبنان فعلًا في مرحلة إعادة تفعيل اتّفاق الطائف، سيتعيَّن على المسيحيّين توحيد خطابهم، والتفكير مليًّا والتخطيط لما يضمن بقاء مجتمعهم وازدهاره في هذه الأرض العريقة. وثمّة أمل بأن يشجّع البابا لاوون المسيحيّين على اتخاذ موقف  موحّد ليكونوا «كالحَيَّاتِ حاذِقين وكالحَمامِ ساذَجين».

تُرجِمَ هذا المقال عن السجلّ الوطنيّ الكاثوليكيّ، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزيّة، ونُشِر هنا بتصرّف.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.

اشترك الآن

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته