بيروت, الأربعاء 3 سبتمبر، 2025
صوّت مجلس الأمن الدولي الخميس الفائت على قرار يقضي بتمديد ولاية قوّة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2026، على أن يكون هذا التمديد «الأخير»، مع بدء إجراءات الانسحاب فورًا. هذا القرار يفتح الباب أمام تساؤلات ملحّة: كيف ينسجم هذا التطور مع المشهد السياسي والأمني في لبنان؟ وما تداعياته المحتملة على مستقبل الجنوب وعلى القرى المسيحية خصوصًا؟
تعدّ اليونيفيل، المنتشرة في لبنان منذ العام 1978، من أقدم بعثات حفظ السلام في المنطقة، وقد أدّت دورًا محوريًّا في مراقبة الحدود واحتواء التوترات في الجنوب.
شرح الجنرال منير شحادة، المنسّق السابق للحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل، عبر «آسي مينا»، أنّ قوات الطوارئ الدولية موجودة في لبنان تحت الفصل السادس، أي أنه لا يحق لها استعمال القوة لتنفيذ القرارات الدولية، ومهمتها حفظ السلام حصرًا. وذكر أنّها تسجّل الخروق من الجانبين منذ ما يقارب خمسين سنة. وتتولّى أيضًا الوساطة في خلال الاجتماعات الثلاثية بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي بحضورها، حيث يعرض كل طرف ملاحظاته. كما أنها أسهمت في معالجة مشكلات الحدود، البحريّة منها والبرّية.
وأشار شحادة الذي كان يرأس أيضًا المحكمة العسكرية إلى أنّه عندما قرّرت إسرائيل بدء العمل العسكري البرّي في لبنان، طلَبَتْ من قوات اليونيفيل إخلاء مراكزها والتوجّه شمالًا: «في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تعتقد أنّها ستتمكّن من احتلال كامل منطقة جنوب الليطاني. غير أنّ قوات الطوارئ الدولية رفضت ذلك، فأقدمت إسرائيل على استهداف مراكز عدّة تابعة لليونيفيل، ما أسفر عن سقوط قتلى. كما قصفت إسرائيل مدخل قيادة قوات الطوارئ الدولية في الناقورة، ومع ذلك رفضت اليونيفيل إخلاء مواقعها».
وأضاف: «بدأنا منذ شهرين نسمع أنّ إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان إلى إنهاء عمل قوات الطوارئ الدولية في أقرب وقت. والهدف من ذلك إتاحة فرصة لإسرائيل كي تتحجّج بعذر أو بآخَر للعودة إلى احتلال كامل منطقة جنوب الليطاني. هذا هو الغرض الأساسي من السعي إلى إنهاء مهمة قوات الطوارئ الدولية. فرنسا تصدّت لهذا التوجّه وأقنعت الولايات المتحدة بتمديد المهمة، لكن واشنطن اشترطت أن يكون هذا التمديد لمرة واحدة ونهائية، على أن تبدأ اليونيفيل بتفكيك مراكزها تدريجًا، من الآن وحتى نهاية عام 2026».
كما ذكّر بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوقف المساعدات المقدّمة إلى منظمات دولية، منها الأمم المتحدة، ما جعل من هذه الخطوة ورقة ضغط إضافية تمنح واشنطن موقفًا أقوى لإنهاء عمل قوات الطوارئ الدولية.
أما عن قدرة الجيش اللبناني على حفظ الأمن في الجنوب بعد انسحاب القوات الدولية، فقال شحادة: «الجيش اللبناني يستطيع حفظ الأمن في منطقة جنوب الليطاني، والحفاظ على أمن البلدات المسيحية».
لكنّه حذّر: «المشكلة هي إسرائيل. هل ستسمح للجيش اللبناني بتأدية دوره؟ أنا أعتقد أنّه بعد انسحاب اليونيفيل في نهاية عام 2026، ستحتلّ إسرائيل كامل منطقة جنوب الليطاني من جديد، بعذرٍ أو بآخَر».
ضربة للاقتصاد المحلّي
لن يؤثّر غياب اليونيفيل في أمن المنطقة فحسب، بل في اقتصادها أيضًا. في هذا الإطار، شاركنا طوني دياب، وهو صاحب مطعم في عين إبل (بلدة مسيحية)، مخاوفه، قائلًا: «إذا انسحبت قوات اليونيفيل، ستتأثّر الدورة الاقتصادية في البلدة إلى حدّ كبير».
وأكّد دياب أنّ وجود قوات اليونيفيل في المنطقة يساعد سكّانها، وأنّ المساعدة الكبرى تأتي من أبناء البلدة الذين يعملون مع اليونيفيل: «في عين إبل وحدها، هناك أكثر من مئة عائلة تعمل مع اليونيفيل ويُحرِّك أفرادها الدورة الاقتصاديّة كلّها في البلدة ومحيطها، خصوصًا في الظروف الحالية، إذ إنّهم من القلائل الذين يتقاضون رواتب ثابتة ويُدخِلون أموالًا إلى البلدة. لذا فإنّ وجود اليونيفيل يساعدنا كثيرًا على مواصلة عملنا».
وتابع: «جنود اليونيفيل يرتادون المطعم أحيانًا، لكن لا يمكن الاتّكال عليهم كمصدر رئيس للدخل. الاعتماد الأكبر هو على اللبنانيين الذين يعملون مع اليونيفيل، فهم من يدعمون الحركة الاقتصادية... عدد كبير من الشباب يعمل مع اليونيفيل، وهم الوحيدون الذين يتقاضون رواتب ثابتة كل شهر ولم يتأثروا بالأزمات. غياب اليونيفيل سيترك فراغًا اقتصاديًّا وأمنيًّا على السواء».
وفي ما يتعلّق بالبعد الأمني، شرح دياب: «نشعر بالأمان بوجودهم، فهم يبدون اهتمامًا بالمنطقة ويقدّمون خدمات كثيرة، من مستوصفات إلى مشاريع طاقة شمسية، ليس لعين إبل فحسب، بل لمناطق أخرى أيضًا. لذلك يهمّنا أن يبقوا موجودين، فهم يشكّلون صلة وصل ويراقبون الحدود. بوجودهم يتعزّز الشعور بالأمان، ليس من الناحية الاقتصادية فحسب بل من الناحية الأمنية أيضًا».
رحيل اليونيفيل يفتح الباب أمام فراغ مزدوج في الجنوب؛ فراغ أمني قد يعيد شبح الاحتلال، وفراغ اقتصادي يهدّد لقمة العيش، خصوصًا في القرى المسيحية، من عين إبل إلى ما حولها.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته