دمشق, الجمعة 29 أغسطس، 2025
تحيي الكنيسة في 29 أغسطس/آب من كل عام ذكرى قطع رأس يوحنا المعمدان، الواردة قصته في الأناجيل الثلاثة الأولى. ويحيط الغموض بمكان جثمان القديس، رغم وجود ضريح له في سبسطية (شمالي غرب نابلس)، ولا سيما رأسه الذي حظي باهتمام واسع في العصور الوسطى، حتى ادّعت جهات عدة امتلاكه.
أشهر الأماكن التي يُنسب إليها الرأس اليوم أربعة: متحف الريزيدنز في ميونخ؛ وكنيسة سان سلفستر كابيتي في روما (الجزء العلوي من الجمجمة)؛ وكاتدرائية أميان في فرنسا (الجزء الأمامي من الرأس، من الجبهة حتى الفك العلوي باستثناء الأسنان)؛ وأخيرًا الجامع الأموي في دمشق، وفق اعتقاد المسلمين والمسيحيين. ومع ذلك، لا يمكن علميًّا تأكيد وجوده بشكل مطلق في أي من هذه المواقع.
كان الجامع الأموي معبدًا لإله الخصب «حدد» قبل نحو ثلاثة آلاف عام، وهو من أبرز آلهة حضارات الهلال الخصيب، ومنها الآرامية. وعندما سيطر الرومان على سوريا، شيّدوا في المكان معبدًا ضخمًا لكبير آلهتهم «جوبيتر» في القرن الأول الميلادي. ومع اعتلاء الإمبراطور ثيودوسيوس الأول العرش، ترسخت المسيحية في البلاط الروماني، فحُوّل جزء من المعبد في أواخر القرن الرابع إلى كنيسة. ويرجّح بعض الباحثين أنّها أُنشئت في القسم الجنوبي الغربي من المعبد، بينما يرى آخرون -ومنهم عالم الآثار السوري عدنان البني والمؤرخ البريطاني كيبل كريزويل- أنّ قدس الأقداس (Cella) نفسه تحوّل إلى كنيسة.
ورغم صعوبة الجزم بأنّ الكنيسة كُرّست منذ البداية باسم يوحنا المعمدان وبأنّ رأسه وُضع فيها آنذاك، تؤكّد مصادر أنّ قبل دخول العرب دمشق عام 635 كانت الكنيسة بالفعل تحمل اسم القديس وتضم رأسه (أو ما يُعتقد أنّه رأسه). ويُرجّح أنّ الذخائر كانت محفوظة داخل مذبحها أو بالقرب منه.
أبقى المسلمون على كنيسة يوحنا المعمدان سبعين سنة من دون المسّ بها، حتى قرر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك هدمها عام 705، رغم معارضة الإكليروس المسيحي، لأجل بناء مسجد عظيم يليق بدمشق عاصمة الدولة الأموية، يكون صرحًا دينيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. استمرت أعمال البناء نحو عشر سنوات حتى اكتمل المسجد الأموي الكبير. ويذكر ابن عساكر، في «تاريخ مدينة دمشق»، أنّ العمال عثروا في خلال البناء على رأس «يحيى بن زكريا» -وهو الاسم الإسلامي ليوحنا المعمدان- في مغارة تحت أحد أركان القبة التي لم تكن قد بنيت بعد، فأمر الخليفة الوليد بإعادته إلى مكانه، وميّز العمود فوقه بشكل خاص.
ويضيف ابن عساكر (القرن 12) أنّ المسجد احتضن مقامًا للمعمدان فيه رأسه، وهو ما أكده لاحقًا الرحالة الأندلسي ابن جبير. ويعود اهتمام المسلمين بالمعمدان إلى كونه نبيًّا في الإسلام مذكورًا في القرآن وله مكانة رفيعة.
بالنسبة إلى الآثار المسيحية المتبقية، وإلى جانب مقام يوحنا المعمدان، يوجد جرن يُحتمل أنّه جرن معمودية، وصورة مهشمة على حجر في السور الخارجي يُظن أنّها للمسيح، وإن لم يُثبت تاريخها. كذلك، بقي البرجان الرومانيان (الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي)، ويُرجّح أنّهما استُخدما أبراج نواقيس قبل أن يتحولا إلى مئذنتَي عيسى وقايتباي. أما أبرز ما تبقى فهو النقوش اليونانية المسيحية على ساكف البوابة الجنوبية للمجمع الديني في العصر البيزنطي، ومنها نقش مركزي مقتبس من المزمور 145 الآية 13: «ملكك (أيها المسيح) ملك كلّ الدهور، وسلطانك في كلّ دور فدور».
تجدر الإشارة إلى أنّ البابا يوحنا بولس الثاني زار الجامع الأموي ومقام القديس يوحنا المعمدان عام 2001 في خلال رحلته إلى سوريا.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته