دمشق, الخميس 7 أغسطس، 2025
أثار مشروع إعادة تأهيل طُرق دمشق القديمة موجة جدل حادّ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، بعد تداول صور تُظهر اقتلاع حجارة قديمة الطابع. وذهب كثيرون إلى اعتبار ما يجري تعدّيًا على التراث التاريخيّ والدينيّ للمدينة، ومحاولة لطمس الإرث الرومانيّ الأثريّ فيها، ولا سيّما لـ«الشارع المستقيم» الذي سكن فيه بولس وذُكِر في سفر أعمال الرسُل. فهل ثمّة ما يُبرّر القلق؟ وما الذي يجري على الأرض فعليًّا؟
انطلق قبل أيّام العمل في محور باب توما - القشلة، وعلى امتداد الطريق المستقيم من الكنيسة المريميّة وصولًا إلى باب شرقي. وأعلنت لجنة حيّ باب توما أنّ تلك الإجراءات تأتي في إطار التنسيق الكامل بين اللجنة ومكتب عنبر ومحافظة دمشق وبإشراف مديريّة الآثار والمتاحف، لتحسين الواقع الخدمي بعد مطالبات الأهالي المتكرّرة.
غير أنّ غياب إعلان رسميّ واضح يشرح طبيعة المشروع ومدّته وأهدافه - سواء عبر لوحة ميدانيّة أو من خلال المنصّات الرسميّة - أثار بلبلة وتأويلات، ما استدعى تدخّل وسائل إعلام محلّية لتقصّي الحقائق. وقد أفاد مهندسون وعاملون في الموقع بأنّ الأعمال تشمل إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحّي والمياه المتدهورة، وتمديد خطوط الهاتف والإنترنت والكهرباء، ودفنها تحت الأرض.
إرث لا يُقدّر بثمن
للشارع المستقيم في دمشق القديمة أهمّية مسيحيّة عظيمة، فهو يرتبط باهتداء القدّيس بولس الرسول إلى المسيحيّة. فبحسب ما ورد في أعمال الرسل (11:9)، كان أحد بيوت هذا الشارع مسكن بولس الأوّل في المدينة بعد ظهور المسيح له في طريقه إلى دمشق، وكان يُعرف حينها باسم شاول الطرسوسي. وفي هذا البيت، استعاد القدّيس بولس بصره على يد حنانيا، وامتلأ بالروح القدس، لينطلق بعدها إلى الكرازة (أع 9: 17-20).
من الناحية التاريخيّة، تعود أصول الشارع إلى الحقبة الهلنستيّة، حين أُعيد تخطيط المدينة على النمط الشطرنجيّ. إلّا أنّ مجده العمرانيّ الحقيقيّ تجلّى في العصر الرومانيّ، حين عُرف بـ«فيّا ريكتا»، أي الطريق المستقيم، وأصبح المحور العرضيّ الرئيس للمدينة (ديكومانوس ماكسيموس)، بطول 1500 متر تقريبًا وعرض 26. وامتدَّ من باب شرقي شرقًا (باب الشمس) إلى الغرب، على شكل جادّة ضخمة تحيطها أروقة تقف على أعمدة كورنثيّة بديعة.
لكنَّ الواقع الحاليّ يختلف كثيرًا، فمع تراكمات الزمن والتعديلات العمرانيّة الحديثة، تقلَّص عرض الطريق إلى أقلّ من ربع مساحته الأصليّة. كذلك، يقع الرَّصفُ الرومانيّ القديم تحت الشارع الحاليّ على عمق يزيد عن ثلاثة أمتار، ما يعني أنّ ما نراه اليوم لا يُمثّل سوى سطح حديث نسبيًّا، وبالتالي فإنّ الحجارة البازلتيّة التي اقتُلِعت، والمعروفة باسم «اللبون»، ليست أصليّة من الحقبة الرومانيّة أو المسيحيّة الباكرة، بل حديثة العهد نسبيًّا وإنْ حافظت على الطابع التقليديّ والقديم للشارع.
ترميم لا تشويه
بناءً على ما سبق، نرى أنّ أهمّية الشارع تكمن في مساره التاريخيّ وبإحاطته بكنائس أثريّة ما زلت تنبض بالحياة. وكشف القائمون على المشروع أنّه سيصار إلى ترميم الحجارة وإعادتها إلى مكانها، بعد تنفيذ طبقة عازلة من الإسمنت المسلّح لمنع تشكّل الحفر مجدّدًا، وذلك ضمن خطة تهدف إلى الحفاظ على الهويّة البصريّة للمكان، وتحسين بنيته التحتيّة في الوقت نفسه.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته