بيروت, الأربعاء 9 يوليو، 2025
مرَّت ستّة أشهر على انتخاب رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة بعد فراغ طويل. ومع خطاب القسم الذي ألقاه في بداية ولايته، برزت آمال بحصول تغييرات جذريّة واتّباع مسار إصلاحيّ جديد. لكن بعد مرور نصف عام، يبرز سؤال جوهريّ: هل أوفى جوزاف عون بالوَعد كما وَعَد؟ وكيف ينظر المسيحيّون في لبنان إلى أدائه؟
يرى مارك إليان، وهو طالب لبنانيّ يُتابع دراسته في مجال الأمن الدوليّ في باريس، أنّ عون حقَّق بعض الإنجازات التي تُعزّز صدقيّته، أبرزها إعادة فتح قنوات تواصل مع دول عربيّة وغربيّة كانت قد فقدت اهتمامها بلبنان. ويُشير أيضًا إلى نجاحه في تنظيم الانتخابات البلديّة في موعدها، وتسهيل تشكيل الحكومة بعد أسابيع قليلة على تكليفه نوّاف سلام.
لكنّ إليان يعتبر أنّ الرئيس لم ينجح بعد في معالجة ملفّاتٍ أكثر حساسيّة، على رأسها حصر السلاح بيَد الدولة. ويقول: «المطلوب أيضًا هو الانسحاب الإسرائيليّ من جنوب لبنان، ومعالجة مسألة أموال الناس المحجوزة في المصارف، وإعادة هيكلة القطاع المصرفيّ». ويُشدّد على أنّ «عون يُواجه تحدّيات جسيمة، أوّلها النظام الذي جاء به إلى الحكم».
تحذير من إضاعة الفرصة
بدوره، يرى المحامي جوي لحّود أنّ خطابات القسم الرنّانة باتت نمطًا مألوفًا في السياسة اللبنانيّة، غالبًا ما تُطلَق فيها وعودٌ لا تُتَرجَم أفعالًا. بالنسبة إليه، لا يكمن الخلل في الأشخاص، بقدر ما هو في النظام، فالصلاحيّات المحدودة لرئيس الجمهوريّة تجعله عاجزًا عن تنفيذ أيّ تغيير جوهريّ بمفرده.
ويقول إنَّ ما وُصِفَت بأنّها «نهاية الهيمنة الإيرانيّة على لبنان» بعد إزالة صور قادة «حزب الله» من طريق المطار في الأشهر الماضية، ليست ثمرة جهود داخليّة، بل نتيجة تحوّل في المشهد الإقليميّ وضغوط دوليّة وأميركيّة. ومع ذلك، يؤكّد لحّود أنّ أمام الرئيس فرصة تاريخيّة لتحويل هذا الظرف إلى إصلاح فعليّ، شرط أن يتجاوز الحاجز الرمزيّ ويتّجه إلى قرارات ملموسة وشجاعة على الأرض.
كذلك، يعتبر أنّ تفكيك 500 موقع لـ«حزب الله» هو خطوة غير كافية، مشدّدًا على أنّ «الخطر لا يكمن في الصواريخ فحسب، بل في قدرة هذه الميليشيات على زعزعة الاستقرار، وحتّى تنفيذ اغتيالات».
ويُسلّط لحّود الضوء على أولويّة الحفاظ على الحضور المسيحيّ في الإدارات العامّة، ودور الاغتراب المسيحيّ في الانتخابات. أمّا الحلّ الجذريّ، فيكمن برأيه في تنفيذ إصلاح دستوريّ عميق يكرّس حياد لبنان ويؤسّس فدراليّةً تحمي التنوّع وتضع حدًّا للتعطيل السياسيّ. ويُحذّر من أنّه «إذا لم تتحلَّ السلطة بالشجاعة وتغتنم هذا الظرف الاستثنائيّ، فإنَّ الثمن قد يكون وجود الدولة اللبنانيّة نفسها».
نيّات طيّبة وصلاحيّات محدودة
أمّا الأب داني درغام فيقول إنَّ لدى عون نيّاتٍ إصلاحيّة صادقة ونَفَسًا تغييريًّا واضحًا، لكنّ محدوديّة صلاحيّات الرئاسة تفرض عدم تحميله وحدهُ وزر الملفّات الكبرى وعدم تعليق آمال مبالغ بها على أدائه.
ويشرح: «إذا عدنا إلى الظروف السياسيّة التي أوصلت عون إلى الرئاسة، نرى أنّ تزكيته لم تكن لبنانيّة بحتة، بل جاءت نتيجة تقاطع مصالح وقرارات دوليّة وإقليميّة ضمن أجندة سياسيّة يُراد تنفيذها، ومن ضمنها مسألة سلاح حزب الله. بالتالي، فإنّ هذه المسألة ليست معضلة محلّيّة مناطة بشخص رئيس الجمهوريّة، ولا حتّى بالحكومة، بل مسألة ذات أبعاد دوليّة. من هنا، فإنّ على الدول الكبرى أن تسعى إلى حلّ هذه القضية، أو على الأقلّ أن تُعطي الرئيس الدعم الكامل وغير المشروط. الطلب من الرئيس أن يذهب أبعَد في هذا الملفّ هو أشبه بمحاولة وضعه منفردًا في مواجهة أحد المكوّنات في لبنان، وهذا أمر غير مقبول».
ويشدّد درغام على ضرورة أن يُجسّد الرئيس في قيادته القيَم المارونيّة: التواضع، التجرّد، ونبذ المكاسب الشخصيّة. ويقول: «الرئيس عون ابن الكنيسة المارونيّة وابن بكركي، وهو على تنسيق دائم وعميق مع البطريركيّة المارونيّة. وتربطه علاقاتٌ شخصيّة فيها الكثير من المودّة والاحترام بالبطريرك من جهة، وبعددٍ من الأساقفة الذين رافقهم على مقاعد الدراسة منذ الطفولة من جهة أخرى. ولا شكّ في أنّ رؤيته ورؤية البطريركيّة واحدة، تجمعها الثوابت الوطنيّة، وسيادة الدولة، وتحقيق العدالة والمساواة بين المكوّنات كلّها».
ويختم: «أنصحه بألّا يستمرّ في موقعه عندما يشعر بأنّ الهوّة أصبحت كبيرة جدًّا بين ما يرغب في تحقيقه وما يستطيع فعله».
ليست فترة الأشهر الستّة كافية للحكم على الرئيس، لكنّها كافية لتذكيرنا بحقيقة مُزعجة: صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في لبنان محدودة، أيًّا تكُن نيّاته. فإلى أيّ حدٍّ يُمكنه أن يُغيِّر؟
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته