الجمعة 5 ديسمبر، 2025 تبرّع
EWTN News

عقدٌ بعد «داعش»... دير مار إليان السريانيّ يعود إلى الحياة

دير مار إليان بعد تعرَّضه للتدنيس بأيدي عناصر داعش في أغسطس/آب 2015/ مصدر الصورة: منظمّة «إنقاذ مسيحيّي الشرق-SOS»

كان دير مار إليان وضريحه في سوريا شاهدين على ظهور عدد كبير من غزاة الصحراء طوال القرون الـ 16 الفائتة.

في مطلع الفتوحات الإسلاميّة في القرن السابع، كان دير القدّيس العريق «مار إليان»، أي السيّد أو القدّيس بالسريانيّة، الواقع قرب بلدة «القريتَيْن» في محافظة حمص، قائمًا منذ مئتي عامٍ على الأقلّ. وقد مَرَّ به جنودٌ أرسلهم محمّد، والخلفاء الراشدون، والأمويّون، والعباسيّون. وكانوا يتوقّفون لتأمين المياه لقوافلهم ويُكملون إلى وجهاتهم تاركين المقام سالمًا.

لكن قبل عشرة أعوام من الآن، كان المهاجمون المسلمون مختلفين. ففي 6 أغسطس/آب 2015، سيطر تنظيم «الدولة الإسلاميّة» على بلدة «القريتَيْن»، واحتجز مئات المسيحيّين رهائن، فيما فرَّ آخرون. وكان التنظيم قد اختطف في وقتٍ سابقٍ كاهنًا في دير مار إليان، هو الأب جاك مراد الذي كان مصيره مجهولًا وساد ظنٌّ بأنّه قُتِل.

دير مار إليان بعد تعرَّضه للتدنيس بأيدي عناصر داعش في أغسطس/آب 2015. مصدر الصورة: منظمّة «عون الكنيسة المتألمة-ACN»

وفي 21 أغسطس/آب من السنة نفسها، نشر التنظيم صورًا وشرائط دعائيّة تُظهر مقاتليه يُدمّرون دير مار إليان السريانيّ الكاثوليكيّ وضريح القدّيس نفسه، مستخدمين جرّافات ومتفجّرات ديناميت. وأظهر عدد من صور التنظيم عظامًا متناثرة على الأرض بين أجزاء من تابوت رخامي روماني عتيق، محفورة عليه صلبان.

ورغم تغطية وسائل إعلام غربيّة الاعتداء آنذاك، لم يُدرك كثيرون من هو مار إليان ولا تاريخ هذا الدير. هذه الكارثة المتمثّلة بخطف إرهابيّين كاهنًا ومئات المؤمنين وتدمير دير قديم، لم تكن سوى جزء صغير من مآسي الحرب في سوريا ومعاناة شعبها منذ العام 2011.

ولم تَدُم سيطرة «داعش» على تلك المنطقة أكثر من عام واحد، إذ استعادها الجيش السوريّ في أبريل/نيسان 2016 بدعمٍ روسي. وأُطلِق سراح مُعظم المسيحيّين المخطوفين في «القريتَيْن» بعد شهور من الإذلال والتهديد المستمرّ. إلّا أنّ بعض كبار السنّ توفّوا لأسبابٍ طبيعية وآخرين قُتلوا جرّاء غارات.

ولحسن الحظّ، عُثِر على عظام مار إليان. ثمّ بدأت أعمال أوّليّة لترميم الدير والمزار الذي كان يجذب مسلمين ومسيحيّين على السواء. وتمكَّن الأب مراد من الفرار بمعونة مسلمين محلّيّين بعد خمسة أشهر من الأَسْر. وهو يتولّى منذ العام 2023 منصب رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك.

تأمّل المطران مراد عبر «آسي مينا» ذكريات الأحداث المروّعة، بمناسبة مرور عشرة أعوام عليها. ففي 12 أغسطس/آب 2015، نُقِل إلى مدينة الرقّة، عاصمة «داعش»، حيث التقى أبناء رعيّته المخطوفين. وفي وقتٍ لاحقٍ من ذاك الشهر، سُمح لهم بالعودة إلى «القريتَيْن» تحت رقابة مُشدَّدة من عناصر التنظيم، لكنّهم باتوا يخشون أيضًا إمكان استهدافهم بقصفٍ سوريّ أو روسيّ.

المطران جاك مراد أمام ضريح مار إليان المُرمَّم، في سبتمبر/أيلول 2024. مصدر الصورة: مطرانيّة السريان الكاثوليك في حمص وحماه والنبك

واستعاد المطران ذكرياته، قائلًا: «في اليوم الثالث أو الرابع لعودتنا، قرّرنا إقامة قدّاسٍ سرًّا في شقّةٍ وسط البلدة. كان ذلك أوّل قدّاس أحتفل به بعد أربعة أشهر. وكان شعورًا لا يوصف بالنسبة إليّ وإلى المؤمنين، إذ امتزجت دموع الفرح برهبة الخوف من أن يُكشَف أمرنا. لكن رغم الخوف، شعرنا جميعًا بشجاعةٍ داخليّةٍ بفضل السيّدة العذراء، إذ لم تفارق المسبحة الورديّة يدي منذ لحظة اختطافي حتّى يوم فراري، وكانت تمنحني سلامًا داخليًّا يفوق الخوف».

وبعد طرد «داعش» عام 2016، بدأت أعمال الإعمار البطيئة. ونُقِلت عظام مار إليان وبعض الرهبان إلى حمص لِحفظها، إلى حين إعادتها.

وشرح المطران: «في العام 2021، قرّرنا إعادة الدير إلى ما كان عليه. ولم يكُن الدمار الذي ألحقَهُ داعش الأذى الوحيد الذي حلَّ بالمكان، بل استغلَّ لصوصٌ ظروف الحرب أيضًا وقطعوا مئات من شجر الزيتون والأشجار التي كانت قد زُرعت قبل عقد».

وأضاف: «بدأنا إعادة زراعة الأرض. وفي العام 2022، شرعنا في ترميم الدّير وضريح القدّيس. وبمناسبة عيد القدّيس، وضمن مراسم احتفاليّة حضرها مطارنة دمشق وحمص من الكنيستَين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة، أعدنا العظام إلى الضريح في 9 سبتمبر/أيلول 2022. وشارَكَنا مسلمون في المسيرة عبر شوارع "القريتَيْن"، وقد كان مشهدًا مؤثّرًا جدًّا».

وقال المطران مراد: «لم يبقَ في البلدة سوى نحو 25 مسيحيّ. لكنّنا نأمل بأن نُعيد إلى الدير مكانته بصفته محطّة حَجّ ومركز رياضاتٍ روحيّة، إذا استقرَّت الأوضاع».

في سوريا، الخسائر كبيرة والمخاطر مُحدِقة، فالجماعاتُ المؤمِنَة والأماكن المقدّسة مهدّدة. لكن، كما بدأ ترميم دير مار إليان ببطء، يؤكّد مراد أنّ «يسوع يُريد بقاء كنيسته في سوريا» رغم المصاعب والمخاطر الجسيمة، مشدّدًا على أنّ فكرة إفراغ البلاد من المسيحيّين تُخالِف «مشيئة الله» قطعًا.

تُرجِمَ هذا المقال عن السجلّ الوطنيّ الكاثوليكيّ، شريك إخباريّ لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزيّة، ونُشِر هنا بتصرّف.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.

اشترك الآن

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته